هذا كتاب جاء فى موعده «صناعة الآلهة»، دراسة فى أساليب الدعاية للقادة السياسيين للكاتب الصحفى محمد فتحى يونس، وأقول: إن الكتاب «جاء فى موعده» لأن ميعاد حرق البخور والطبل والزمر ونفاق السلطان ونحت أصنام العجوة وصناعة الفرعون وتنصيب نصف الإله قد بدأ مبكراً جداً، الكتاب يعرض لأسرار الخلطة السحرية لطبخ الزعيم الملهم وصناعة الديكتاتور التى تتم فى دول العالم الثالث بنفس الإيقاع والترتيب والآلية حتى ولو كان ذلك الزعيم رافضاً للديكتاتورية ومقاوماً للفرعنة.

الكتاب يعرض بشكل أكاديمى منهجى لمعانى القيادة والزعامة والكاريزما، ويتحدث عن أساليب الدعاية السياسية أو ما أطلق عليه المؤلف أدوات الساحر ثم يختتم «يونس» الكتاب بتطبيق عملى من قاموس ومعجم كلمات الرئيس السابق حسنى مبارك، الذى تحول من رئيس يتحدث عن الكفن اللى مالوش جيوب إلى صاحب نظرية توريث مصر، ويعد فصل أدوات الساحر من أهم فصول الكتاب، فهو يستعرض أكثر من عشرين أسلوباً دعائياً من أدوات الساحر وخامات صناعة الآلهة السياسية، منها الرموز والشعارات والشائعات والنكتة والتخويف والكذب وعدوى القطيع وإثارة الكراهية والتلميع والتبرير ونفاق البسطاء وتملقهم.. إلخ.

من الأساليب الدعائية المدهشة التى تحدث عنها الكتاب باستفاضة وجذبتنى قراءتها لأنها تشخص بالفعل أمراضنا السياسية وشبقنا الاجتماعى لخلق فراعنة جدد يعذبوننا وكأننا مصابون بالمازوخية! أسلوب الاستفادة من غريزة القطيع وهو تكنيك يجعل الفرد يسير وراء الحشد ويتقبل كل ما يقوله الداعية كالعربة المعصوبة العينين، والقاعدة النفسية التى تحكم هذا التكنيك هى قوة تأثير الكتلة البشرية وتفوقها على تأثير الفرد المنعزل واعتمادها على منطق العدوى، وتصوير الفرد المستقل فكرياً على أنه خائن وعدو للمجتمع، وبالطبع يزداد فى القطيع قابلية الإيحاء والانصهار وتهبط قيمة النقد والنقاش.

عبَّر هتلر عن هذا الأسلوب بقوله «الجمهرة تكتسب صفات أنثوية حيث تتخذ طابعاً أكثر عاطفية وتتحد آراؤها وأفعالها عن طريق الانطباع الحسى أكثر مما تتحد عن طريق التفكير الخالص»، وقد استغل النازيون هذه الوسيلة من خلال المسيرات والسرادقات والموسيقى والخطب الليلية التى تشبه التنويم المغناطيسى، وهكذا تنتصر سيكولوجية القطيع على منطق التحليل، ويفوز الدجل على الجدل.

كتاب يستحق أن يقرأ بتمعن لأن الساحر أو الكاهن الذى يصنع الفرعون ويمهد المسرح للحاكم بأمر الله والناطق باسم الرب مازال موجوداً بيننا بل يسبح فى نخاعنا ويلتصق بكرات دمنا ونسيج أعصابنا، صناعة الآلهة هى أكثر الصناعات ربحاً فى العالم.